بقلم/ عصام القيسي
من أخطاء الخطاب الديني لدينا تحطيمه لشعور الفرد بفردانيته وأناه. وهذا الخطأ هو إحدى مساهمات الخطاب الديني في بناء مملكة الاستبداد طوال تاريخنا الذي مضى، ومن ثم هي إحدى مساهماته القوية في تخلف هذه المجتمعات!. لا شك أنك تتساءل الآن: كيف ذلك؟.. السطور القادمة ستخبرك بسر هذا اللغز..!
لو أننا بدأنا من السؤال الأكثر حضوراً في عصر العرب الحديث وهو سؤال: لماذا تخلفنا يا ترى؟ وما هي عوائق التقدم؟. فإن الإجابات المتعددة لن تغفل أبداً دور السلطة السياسية العربية بوصفها عائقاً من عوائق الاستقرار والتنمية والتقدم. بل إن البعض يجعلها المسئول الوحيد عن ذلك. والمقصود بالسلطة السياسية هنا الحاكم العربي ونخبته الفاسدة. فقد درج هؤلاء - عند الوصول إلى كبينة السلطة - على البحث عن مصالحهم الخاصة، التي تأتي عادة على حساب مصالح الجمهور. أي أن الحاكم هنا يصعد وفي رأسه سؤال: ماذا أريد من البلد؟ بدلاً من سؤال: ماذا أريد للبلد؟، حسب تعبير ونستون تشرشل..!.
طبعاً هذه الحالة ليست خاصة بالمجتمعات العربية وحدها، ففي كل مجتمع هناك حكام مستبدون تساعدهم وتقتات من موائدهم نخب فاسدة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا ينجح هؤلاء في مجتمعاتنا ولا ينجح أشباههم في المجتمعات الأخرى؟ لماذا يستمر المستبد الفاسد هنا ويسقط في البلاد الأخرى؟ كيف استطاعت المجتمعات غير الإسلامية امتصاص مفاهيم الدولة المدنية والمجتمع المدني بهذه السرعة بينما ظلت مجتمعاتنا تراوح مكانها؟ هل تكفي نظرية المؤامرة الخارجية لتفسير الأمر؟!.
هناك حقيقة منطقية وحقيقة تاريخية تقول إن من المستحيل بقاء نظام سياسي فاسد أو حاكم مستبد في منصة السلطة، ما لم يكن يتمتع بقاعدة شعبية رديئة. إن من المحال أن يظهر علي صالح والقذافي والأسد والسيسي وأمثالهم في مجتمعات فرنسا وبريطانيا وأمريكا مثلاً. هذه القاعدة الشعبية الرديئة هي التي تمدهم بالطاقة وتمنحهم البقاء. وهي التي تحميهم وتؤجل سقوطهم إذا حم بهم القضاء. والواقع العربي اليوم هو الدليل الساطع لصحة هذه الدعوى. وهذه العينة الرديئة من فئات المجتمع هي ذاتها التي يتم توظيفها في مشاريع الحرب والخراب من قبل أمراء الحروب الطامعين في مغانم الدنيا، سواء باسم الشعب أو باسم الله. ومن ثم فإن أحد أسباب شيوع الاستبداد والفشل في هذه المجتمعات هو اتساع القاعدة الشعبية الرديئة.
شيوع الأمية بنوعيها البسيط والمركب، وضعف الخيال، وانعدام الشعور بالمسؤولية، وتدني الحس الجمالي، هي بعض مظاهر الرداءة في الشخصية الإسلامية عموماً، وفي الشخصية اليمنية على وجه الخصوص.
إذن فإن المشكلة الحقيقية تكمن في الشخصية الإسلامية نفسها، إذ لولاها ما وجد المستبد له نصيراً يمده بالبقاء. وهنا يأتي السؤال الأهم: لماذا أصبحت الشخصية الإسلامية في مجملها رديئة إلى هذا الحد؟!. ولماذا لم تفلح معها كل محاولات الإنهاض والتصحيح؟!. هناك إجابات افتراضية كثيرة لهذا السؤال، إلا أن إجابة واحدة منها فقط هي الأدق. تلك الإجابة هي: إن الإنسان لا يرفض الفساد والاستبداد، إلا إذا شعر بكرامته. فالشعور بالكرامة هو الذي يوقظ في الفرد الحساسية تجاه الفساد والاستبداد. ومن المحال على من يشعر بكرامته أن يقبل بأن بقوم بدور الحذاء أو السائس أو الشيطان الأخرس للحاكم المستبد. إن جرح الكرامة هو الذي يحرك الثوار للخروج ضد المستبد إذا لامستهم إهانة الجوع أو إهانة الاختلال الإداري أو إهانة الاحتقار. وعبارة الشعور بالكرامة يمكن استبدالها في سياقات أخرى بعبارات أخرى كالشعور بالفردانية والشعور بالأنا وما شابه ذلك، وهنا تأتي مسؤولية الخطاب الديني. فما علاقة الخطاب الديني بضعف الشعور بالفردانية (الأنا) لدى المسلمين يا ترى؟!.
يحثك الخطاب الديني طوال الوقت على التواضع، وهذا أمر جيد بالطبع، لولا أن مفهوم التواضع لديه غامض جداً. والتطبيق التاريخي لقيمة التواضع يجعل منه نوعاً من نكران الذات ونسيانها، في الطريق إلى إلغائها تماماً. وتصبح كلمة "أنا" بمثابة الخطيئة التي يجب أن تذيل بعبارة "وأعوذ بالله من كلمة أنا". فلا يجوز لك الإكثار من الحديث عن ذاتك، ولا عن إنجازك، ولا عن ميزاتك، ضاربين عرض الحائط بأخلاق النبي يوسف عليه السلام، صاحب عبارة "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم".
هذه هي المعادلة العلمية للنهوض الحضاري، لمن يسعى إلى هذه الغاية. أما المحاولات الأخرى فليست إلا حرثاً في البحر لا أقل ولا أكثر. ولنا في المائة عام الماضية من المحاولات الفاشلة عبرة كافية لو كان لنا عقل يتدبر. المعادلة التي تقول ببساطة ووضوح: إذا أردتم الخلاص والنهوض، فحلوا مشكلة السلطة السياسية، وإذا شئتم حل هذه المشكلة فعليكم بمحاربة الاستبداد، وتجفيف منابعه. وإذا شئتم ذلك، فعليكم بتوسيع دائرة الإنسان الإنسان، أي الإنسان الذي يشعر بكرامته وفردانيته وأناه. وإذا شئتم ذلك فعليكم بالفنون والآداب والفلسفة. على قاعدة من التربية الأخلاقية السامية.
من أخطاء الخطاب الديني لدينا تحطيمه لشعور الفرد بفردانيته وأناه. وهذا الخطأ هو إحدى مساهمات الخطاب الديني في بناء مملكة الاستبداد طوال تاريخنا الذي مضى، ومن ثم هي إحدى مساهماته القوية في تخلف هذه المجتمعات!. لا شك أنك تتساءل الآن: كيف ذلك؟.. السطور القادمة ستخبرك بسر هذا اللغز..!
لو أننا بدأنا من السؤال الأكثر حضوراً في عصر العرب الحديث وهو سؤال: لماذا تخلفنا يا ترى؟ وما هي عوائق التقدم؟. فإن الإجابات المتعددة لن تغفل أبداً دور السلطة السياسية العربية بوصفها عائقاً من عوائق الاستقرار والتنمية والتقدم. بل إن البعض يجعلها المسئول الوحيد عن ذلك. والمقصود بالسلطة السياسية هنا الحاكم العربي ونخبته الفاسدة. فقد درج هؤلاء - عند الوصول إلى كبينة السلطة - على البحث عن مصالحهم الخاصة، التي تأتي عادة على حساب مصالح الجمهور. أي أن الحاكم هنا يصعد وفي رأسه سؤال: ماذا أريد من البلد؟ بدلاً من سؤال: ماذا أريد للبلد؟، حسب تعبير ونستون تشرشل..!.
طبعاً هذه الحالة ليست خاصة بالمجتمعات العربية وحدها، ففي كل مجتمع هناك حكام مستبدون تساعدهم وتقتات من موائدهم نخب فاسدة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا ينجح هؤلاء في مجتمعاتنا ولا ينجح أشباههم في المجتمعات الأخرى؟ لماذا يستمر المستبد الفاسد هنا ويسقط في البلاد الأخرى؟ كيف استطاعت المجتمعات غير الإسلامية امتصاص مفاهيم الدولة المدنية والمجتمع المدني بهذه السرعة بينما ظلت مجتمعاتنا تراوح مكانها؟ هل تكفي نظرية المؤامرة الخارجية لتفسير الأمر؟!.
هناك حقيقة منطقية وحقيقة تاريخية تقول إن من المستحيل بقاء نظام سياسي فاسد أو حاكم مستبد في منصة السلطة، ما لم يكن يتمتع بقاعدة شعبية رديئة. إن من المحال أن يظهر علي صالح والقذافي والأسد والسيسي وأمثالهم في مجتمعات فرنسا وبريطانيا وأمريكا مثلاً. هذه القاعدة الشعبية الرديئة هي التي تمدهم بالطاقة وتمنحهم البقاء. وهي التي تحميهم وتؤجل سقوطهم إذا حم بهم القضاء. والواقع العربي اليوم هو الدليل الساطع لصحة هذه الدعوى. وهذه العينة الرديئة من فئات المجتمع هي ذاتها التي يتم توظيفها في مشاريع الحرب والخراب من قبل أمراء الحروب الطامعين في مغانم الدنيا، سواء باسم الشعب أو باسم الله. ومن ثم فإن أحد أسباب شيوع الاستبداد والفشل في هذه المجتمعات هو اتساع القاعدة الشعبية الرديئة.
شيوع الأمية بنوعيها البسيط والمركب، وضعف الخيال، وانعدام الشعور بالمسؤولية، وتدني الحس الجمالي، هي بعض مظاهر الرداءة في الشخصية الإسلامية عموماً، وفي الشخصية اليمنية على وجه الخصوص.
إذن فإن المشكلة الحقيقية تكمن في الشخصية الإسلامية نفسها، إذ لولاها ما وجد المستبد له نصيراً يمده بالبقاء. وهنا يأتي السؤال الأهم: لماذا أصبحت الشخصية الإسلامية في مجملها رديئة إلى هذا الحد؟!. ولماذا لم تفلح معها كل محاولات الإنهاض والتصحيح؟!. هناك إجابات افتراضية كثيرة لهذا السؤال، إلا أن إجابة واحدة منها فقط هي الأدق. تلك الإجابة هي: إن الإنسان لا يرفض الفساد والاستبداد، إلا إذا شعر بكرامته. فالشعور بالكرامة هو الذي يوقظ في الفرد الحساسية تجاه الفساد والاستبداد. ومن المحال على من يشعر بكرامته أن يقبل بأن بقوم بدور الحذاء أو السائس أو الشيطان الأخرس للحاكم المستبد. إن جرح الكرامة هو الذي يحرك الثوار للخروج ضد المستبد إذا لامستهم إهانة الجوع أو إهانة الاختلال الإداري أو إهانة الاحتقار. وعبارة الشعور بالكرامة يمكن استبدالها في سياقات أخرى بعبارات أخرى كالشعور بالفردانية والشعور بالأنا وما شابه ذلك، وهنا تأتي مسؤولية الخطاب الديني. فما علاقة الخطاب الديني بضعف الشعور بالفردانية (الأنا) لدى المسلمين يا ترى؟!.
يحثك الخطاب الديني طوال الوقت على التواضع، وهذا أمر جيد بالطبع، لولا أن مفهوم التواضع لديه غامض جداً. والتطبيق التاريخي لقيمة التواضع يجعل منه نوعاً من نكران الذات ونسيانها، في الطريق إلى إلغائها تماماً. وتصبح كلمة "أنا" بمثابة الخطيئة التي يجب أن تذيل بعبارة "وأعوذ بالله من كلمة أنا". فلا يجوز لك الإكثار من الحديث عن ذاتك، ولا عن إنجازك، ولا عن ميزاتك، ضاربين عرض الحائط بأخلاق النبي يوسف عليه السلام، صاحب عبارة "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم".
هذه هي المعادلة العلمية للنهوض الحضاري، لمن يسعى إلى هذه الغاية. أما المحاولات الأخرى فليست إلا حرثاً في البحر لا أقل ولا أكثر. ولنا في المائة عام الماضية من المحاولات الفاشلة عبرة كافية لو كان لنا عقل يتدبر. المعادلة التي تقول ببساطة ووضوح: إذا أردتم الخلاص والنهوض، فحلوا مشكلة السلطة السياسية، وإذا شئتم حل هذه المشكلة فعليكم بمحاربة الاستبداد، وتجفيف منابعه. وإذا شئتم ذلك، فعليكم بتوسيع دائرة الإنسان الإنسان، أي الإنسان الذي يشعر بكرامته وفردانيته وأناه. وإذا شئتم ذلك فعليكم بالفنون والآداب والفلسفة. على قاعدة من التربية الأخلاقية السامية.
لتحميل المقالة بصيغة PDF وحفظها على سطح المكتب او طباعتها من الرابط:
https://app.box.com/s/2zpv3be5099gu199r0m5
تعليقات
إرسال تعليق