التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحاكمون ورواة الحديث

قال تعالى:
وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسّكُمْ النَّار وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ
كان الحكام، بشكل عام، حريصين على التواصل مع الذين يتصدّون لرواية أحاديث النبي(ص). وتلك طبعاً طريقة فعالة في اضفاء الشرعية على حكمهم وضمان حثّ العامة على طاعتهم، ونسبة ذلك إلى النبي(ص).



وبدأ ذلك مبكراً، من أيام معاوية وعلاقته مع ابي هريرة، واستمر من بعده.

وسوف أتكلم هنا عن محدّث عَلَمٍ معروف، وهو محمد بن شهاب الزهري (توفي سنة 124 للهجرة) الذي يعتبر من أهم رواة الأحاديث لدي الشيخين البخاري ومسلم.
قال أحمد بن حنبل: أصح الأسانيد الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه.

وقد تتبعتُ بعضاً من سيرته وأخباره في عدد من أهم مصادر التاريخ ورجال الحديث: الطبقات الكبرى لابن سعد، وفيات الاعيان لابن خلكان، تاريخ دمشق لابن عساكر وتاريخ الاسلام للذهبي.

وهناك اجماع على ان الزهري كان على علاقة وثيقةٍ متواصلة مع ملوك بني أمية. وكان يدخل عليهم يجالسهم كثيرا.ويذكر المؤرخون ان الخليفة هشام بن عبد الملك أدّى عنه مبالغ مالية كبيرة (ديون كانت عليه)، سبعة آلاف دينار (او ثمانية عشر الفا في رواية اخرى). وقد قبلَ الزهري عطاءات الخليفة شاكرا.

وليس هشام فقط. فقبله، كان عبد الملك بن مروان قد منحه الأموال وأمرَه بالتفرغ للدراسة، وكان سليمان بن عبد الملك قد عينه مستشاراً له، وبعدها أصبح مقرباً من الخليفة عمر بن عبد العزيز، ومن ثم قاضياً ليزيد بن عبد الملك، إلى أن قرّبه هشام أخيراً وجعله مؤدباً لأولاده.

ولا بد أن ارتباطات الزهري مع ملوك بني أمية غدت عميقة إلى درجة أثارت حوله بعض الشبهات، رغم شهرته بين الناس كعالمٍ كبير وإمامٍ ومحدّثٍ ثقة.

فقد نقل ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) نقلاً عن كتاب (احياء علوم الدين) للغزالي نص رسالةٍ بعثها للزهري رجلٌ محبٌ ناصحٌ، يحذره فيها من عواقب مخالطة السلاطين ويدعوه للكف عن ذلك. وفيما يلي مقتطفات من تلك الرسالة المؤثرة:

" عافانا الله وإياك أبا بكرٍ من الفتن. فقد أصبحتَ بحالٍ ينبغي لمن عرفك أن يدعو الله لك ويرحمك. فقد أصبحتَ شيخاًكبيراً وقد أثقلتكَ نِعمُ الله عليك....

وليس كذلك أخذ الله الميثاقَ على العلماء. فإنه تعالى قال (لتبينّنهُ للناس ولا تكتمونه).

واعلمْ أن أيسر ما ارتكبتَ، وأخفّ ما احتملتَ، أنك آنستَ وحشة الظالم، وسهّلتَ سبيل الغيّ، بدنوّكَ إلى مَن لم يؤدّ حقاًولم يترك باطلاً حين أدناك.

اتخذوك – أبا بكر – قطباً تدور عليه رحا ظلمهم وجسراً يعبرون عليه إلى بلائهم ومعاصيهم، وسلّما يصعدون فيه إلى ضلالتهم. يُدخِلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوبَ الجهلاء ..."

*********

وفي الجانب الشيعي من الاسلام، أشير الى حالة العلاّمة محمد باقر المجلسي، وهو صاحب الموسوعة الحديثية الكبرى لدى الإماميّة: بحار الأنوار (110 مجلدات)، وهو طبعاً من أعلام المذهب ورموزه الكبار.

وتفيدنا سيرة العلاّمة المجلسي أنه كان شديد القرب من البلاط الملكي أيام حكم الملوك الصفويين. ورغم ان الشاه سليمان الصفوي كان على المستوى الشخصي شديد الانغماس في حياة اللهو والخمر والليالي الحمراء ومولعاً بالجواري والمُتع، إلاّ أن ذلك لم يمنع العلاّمة المجلسي من أن يكون قريباً منه وموالياً له، ليمنحه الشرعية الدينية أمام الرعية. وفي المقابل قام الشاه سليمان بتعيين المجلسي بمنصب (شيخ الاسلام) وهو أعلى منصب ديني في إيران آنذاك وبالتالي فوّضه بالسلطة الدينية العليا في كل انحاء البلاد. واستمرّ العلامة المجلسي في الارتباط بالبلاط الصفوي بعد وفاة الشاه سليمان، بل انه قام بنفسه بتتويج خليفته الشاه سلطان حسين لدى اعتلائه العرش.

وفيما يلي أنقل كلاماً للعلامة المجلسي من كتابه (عين الحياة) الذي عرّبه وحققه سيد هاشم الميلاني.

قال المجلسي تحت عنوان (في حقوق الملوك ورعايتهم والدعاء لصلاحهم وعدم التعرّض لسطوتهم):

"اعلمْ ان للملوك الذين دانوا بدين الحق حقوقا كثيرة على الرعية، حيث انهم يحرسونهم ويدفعون اعداء الدين عنهم ويحفظون عرضهم ومالهم وأنفسهم. فلا بد من الدعاء لهم ومعرفة حقهم"

واضاف العلامة المجلسي كلاما معناه انه حتى إن انحرف الملوك عن جادة الصلاح والعدالة فلا بد من الدعاء لصلاحهم، ولا بد من رعاية مطلق الملوك لأن معصيتهم تجلب البلاء، واستجلابُ البلاء محرّم ,,,,,,,,,,,,

تحميل المقالة بصيغة PDF قابلة للطباعة
https://app.box.com/s/0hb9k8wrl9jqm3mn84k4

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مؤلفات عبدالرزاق الجبران ( PDF )

عبد الرازق الجبران مؤسس مجلة الوعي المعاصر في مهجره دمشق بعد ظهور كتابه الأهم جمهورية النبي/عودة وجودية ظهرت معه خطى تمردية مفاجئة، وتمرده التام على الكهنوت الديني والنسق التنويري البارد، باتجاه مغاير تماما لكل وجهات الإصلاح الديني باعتماده الحل الوجودي للدين في منهجه المعرفي..وبقناعة ان التزوير لاح كل التراث بيد الكاهن....تغير معه الفقه إلى احكام مغايرة تماما لما هو مألوف.

خرافة عذاب القبر

بقلم : ياسين ديناربوس كنت فيما مضى كلما أطلقت العنان لخيالي متصورا الاحداث المسرحية لخرافة عذاب القبر التي يسردها شيوخ الكهنوت، أتوقف عند بعض الاسئلة: لماذا يطلقون على ذلك الثعبان الخرافي وصف الثعبان الاقرع؟  هل هناك ثعبان أقرع وآخر أجلع وثالث كثيف الشعر؟  إن كل الثعابين لا توجد شعرة واحدة على رؤوسها!

مؤلفات الدكتور علي الوردي مجمعة برابط واحد

علي حسين محسن عبد الجليل الوردي (1913- 13 تموز 1995 م)، وهو عالم اجتماع عراقي، أستاذ ومؤرخ وعرف باعتداله وموضوعيته. حصل على الماجستير عام 1948م، من جامعة تكساس الأمريكية. حصل على الدكتوراه عام 1950م، من جامعة تكساس الأمريكية. قال له رئيس جامعة تكساس عند تقديم الشهادة له: (أيها الدكتور الوردي ستكون الأول في مستقبل علم الاجتماع). أكثر من 150 بحثا مودعة في مكتبة قسم علم الاجتماع في كلية الاداب جامعة بغداد. كان الوردي متأثرا بمنهج ابن خلدون في علم الأجتماع. فقد تسببت موضوعيته في البحث بمشاكل كبيرة له، لأنه لم يتخذ المنهج الماركسي ولم يتبع الأيدلوجيات (الأفكار) القومية فقد أثار هذا حنق متبعي الايدلوجيات فقد اتهمه القوميون العرب بالقطرية لأنه عنون كتابه" شخصية الفرد العراقي" وهذا حسب منطلقاتهم العقائدية إن الشخصية العربية متشابهة في كل البلدان العربية. وكذلك إنتقده الشيوعيون لعدم اعتماده المنهج المادي التاريخي في دراسته.